responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 669
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)
مُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ إِخْبَارٌ عَنْ حَسَدِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَخَاصَّةً الْيَهُودَ مِنْهُمْ، وَآخِرَتُهَا شُبْهَةُ النَّسْخِ، فَجِيءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِتَصْرِيحٍ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [الْبَقَرَة: 105] الْآيَةَ لِأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَوَدُّوا مَجِيءَ هَذَا الدِّينِ الَّذِي اتَّبَعَهُ الْمُسْلِمُونَ فَهُمْ يَوَدُّونَ بَقَاءَ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى كُفْرِهِ وَيَوَدُّونَ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ إِلَى الْكُفْرِ. وَقَدِ اسْتَطْرَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِقَوْلِهِ: مَا نَنْسَخْ [الْبَقَرَة: 106] الْآيَاتِ لِلْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ فُصِلَتْ هَاتِهِ الْجُمْلَةُ لِكَوْنِهَا مِنَ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيَانِ إِذْ هِيَ بَيَانٌ لِمَنْطُوقِهَا وَلِمَفْهُومِهَا. وَفِي «تَفْسِيرِ ابْن عَطِيَّة» و «الْكَشَّاف» و «أَسبَاب النُّزُولِ» لِلْوَاحِدِيِّ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَتَيَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ [1] وَفِيهِ فِنْحَاصُ بْنُ عَازُورَاءَ وَزَيْدُ بْنُ قَيْسٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْيَهُودِ فَقَالُوا لِحُذَيْفَةَ وَعَمَّارٍ: «أَلَمْ تَرَوْا مَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ وَلَوْ كُنْتُمْ عَلَى الْحَقِّ مَا هُزِمْتُمْ فَارْجِعُوا إِلَى دِينِنَا فَهُوَ خَيْرٌ وَنَحْنُ أَهْدَى مِنْكُمْ» فَرَدَّا عَلَيْهِمْ وَثَبَتَا عَلَى الْإِسْلَامِ.
وَالْوُدُّ تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ السَّالِفَةِ.
وَإِنَّمَا أَسْنَدَ هَذَا الحكم أَي الْكَثِيرِ مِنْهُمْ وَقَدْ أَسْنَدَ قَوْلَهُ: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [الْبَقَرَة: 105] إِلَى جَمِيعِهِمْ لِأَنَّ تَمَنِّيَهُمْ أَنْ لَا يَنْزِلَ دِينٌ إِلَى الْمُسْلِمِينَ يَسْتَلْزِمُ تَمَنِّيهِمْ أَنْ يَتَّبِعَ الْمُشْرِكُونَ دِينَ الْيَهُودِ أَوِ النَّصَارَى حَتَّى يَعُمَّ ذَلِكَ الدِّينُ جَمِيعَ بِلَادِ الْعَرَبِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ شَرِقَتْ لِذَلِكَ صُدُورُهُمْ جَمِيعًا فَأَمَّا عُلَمَاؤُهُمْ وَأَحْبَارُهُمْ فَخَابُوا وَعَلِمُوا أَنَّ مَا صَارَ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ خَيْرٌ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْإِشْرَاكِ لِأَنَّهُمْ صَارُوا إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ وَفِي ذَلِكَ إِيمَانٌ بِمُوسَى وَعِيسَى وَإِنْ لَمْ يَتَّبِعُوا دِينَنَا، فَهُمْ لَا يَوَدُّونَ رُجُوعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الشِّرْكِ الْقَدِيمِ لِأَنَّ فِي مَوَدَّةِ ذَلِكَ تَمَنِّي الْكُفْرِ وَهُوَ رَضِيَ بِهِ.
وَأَمَّا عَامَّةُ الْيَهُودِ وَجَهَلَتُهُمْ فَقَدْ بَلَغَ بِهِمُ الْحَسَدُ وَالْغَيْظُ

[1] الْمِدْرَاس بِكَسْر الْمِيم بَيت تَعْلِيم التَّوْرَاة لتلامذة الْيَهُود.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 669
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست